22 أغسطس 2013
بسم الله الرحمن الرحيم
يظن بعضنا أن ما يحدث فتنة، ولهذا يؤثر الصمت وأن يترك ما يحدث في مصر وسوريا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فبوضع كل شيء في الحسبان، ينتهي بي التفكير إلى أن القاتل والمقتول مسلمان، وبالتالي فإن أي جانب نقف فيه سينتهي الأمر بمعاداة المسلمين.
هذا في الحقيقة كان رأيي في أول يومين من الأحداث الحالية في مصر، لكن قلبي كان يحدثني أن هذا ليس أمراً صواباً. واستمريت على هذا الحال يومان أو ثلاثة، إلى أن قرأت رأي في سطرين من أحد علماء هذا العصر يقول أن الفتنة تكون بين حق وحق، لكن في مصر الحق واضح والباطل واضح، فليس في الأمر فتنة.
هذا طبعاً أمر واضح لا يحتاج كثير تفكير، لكن عمل الشيطان هو تلبيس الحق بالباطل طبعاً، لهذا لا يظهر الأمر جلياً إلا عندما يوضحه شخص عصمه الله من الشيطان في هذه الجزئية. وبمزيد من التفكير البسيط، وجدت أن ما يحيرنا طوال الوقت هو سؤال: "أليس احتمالاً أن يكون كذا؟" بهذا السؤال يدخل علينا الشيطان اللعين ليفسد عقولنا -التي هي أصلاً ضعيفة جداً!
وبما أنني وضعت هذه النقطة في هذا المقال -عقولنا ضعيفة جداً، وهو أمر لم أكن متأكداً منه حتى أعثرني الله في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا بصراحة- فرأيت من واجبي أن أهدي حل المشكل لمن يقرأ، لعل الله تعالى يجعل هذا الكلام سبباً في إحباط عمل الشيطان، ويأجرني عليه بفضله وكرمه.
في الفِتَن، وفي الأمور التي لم نعتدها أو لا نفهمها بسهولة، رسخ الإسلام العظيم مبدأً لا يجب على مسلم تجاوزه. بل وفي رأيي أن تجاوزنا لهذا المبدأ على مر السنين هو ما أدى إلى الفتن، ومنها ما يحسبه بعضنا إلى اليوم فتنة. هذا المبدأ البسيط هو "ليس للمسلم أن يشق صدر أخيه بحثاً عما فيه، فقط عليه الحكم على ما يفعله بالفعل".
هذا ببساطة سبب ما نحن فيه اليوم في مصر. كلمة "مش يمكن..." هي ما تجعل كثير من الناس لا يرون ما يحدث أمام أعينهم، وبدلاً من ذلك يصدقون الكلام الكثير بغير دليل، ويفتشون صدور بعضهم البعض عن النوايا والاحتمالات بدلاً من الحكم على التصرفات.
في النهاية، عندما أعملت هذا المبدأ في نفسي وجدت أن ما حدث في مصر مؤخراً كان كالتالي:
- يوم 28 يناير 2011 قام ملايين الناس بثورة على نظام حسني مبارك بكامله، لأنه أفقرهم وجوَّعهم وسلب كرامتهم وحريتهم.
- في 11 يوم قضاهم ثوار المصريين في الميادين والشوارع، كان التليفزيون المصري يقيم حملة شعواء تصف ما يحدث في مصر بتخريب من بعض الإرهابيين، وينقل صوراً لشوارع خاوية ليس فيها شيء ليظن الناس أن ما يحدث شيء بسيط سيتم التعامل معه بيسر.
- بعد سقوط حسني مبارك -والذي لا أفهم سببه إلى الآن بدون التفتيش في صدر أحد- تم انتخاب مجلسي شعب وشورى بانتخابات حرة نزيهة، فاز بأكثر المقاعد فيهما ما أُطلِق عليه مؤخراً "التيار الإسلامي".
- فاز أيضاً رئيس للجمهورية ينتمي للتيار الإسلامي، وهو من صميم جماعة الإخوان المسلمين.
- قرر قضاة مصر حل مجلس الشعب بدون أن يكون هذا من حقهم ولا من صميم عملهم، ورغم غرابة الموقف لتغوُّل إحدى السلطات في دولة مؤسسات على سلطة أخرى، تم بالفعل حل مجلس الشعب.
- قرر جندي اسمه عبد الفتاح السيسي عزل رئيس الجمهورية الشرعي المنتخب بطريقة ديمقراطية وبرضى كل من لهم حق التصويت في مصر.
- قرر هذا الجندي أيضاً إبطال العمل بدستور مصر الذي هو ولأول مرة دستور من لجنة منتخبة من الشعب، ثم حل مجلس الشورى، وتعيين شخص كرئيس مؤقت للجمهورية.
- ظهر السيسي على قنوات التليفزيون المصري يوماً وقال للناس في كلمات فضفاضة: "أريدكم أن توكلوني للقضاء على الإرهاب في مصر"!
- نزل بعض الناس لميدان التحرير، وصورتهم طائرات القوات المسلحة، ثم أعلنت وكالات الأنباء أن السيسي يقول للناس: "شكراً... تعظيم سلام"!!
- بدأت في كل القنوات المصرية حرب شعواء على جماعة الإخوان المسلمين وكل شيء إسلامي، وتم لصق لقب "جماعة إرهابية" على أكثر من مليون مصري هم قوام جماعة الإخوان المسلمين في مصر!!!
- إعتصم مصريون بالملايين في ميداني النهضو ورابعة العدوية، بعد أن حيل بينهم وبين أن يعتصموا في ميدان التحرير كما ألِفت الجموع المصرية في اعتصاماتها منذ 25 يناير 2011. بين هذه الملايين كان هناك من هم من جماعة الإخوان ومن ليسوا منها.
- في سادس أيام عيد الفطر المبارك، دخلت الدبابات والمدرعات إلى ميداني النهضة ورابعة، وتم قتل آلاف الناس بحجة وجود أسلِحة بالميدانين، وقُتل من هم الإخوان ومن ليس منهم على حد سواء!!!!
- بعد أيام تم محاصرة 2000 شخص في مسجد الفتح وباتوا ليلة ليلاء بين أناس بلباس مدني وآخرون بلباس الشرطة وآخرون بلباس الجيش يطلقون عليهم النار على الهواء مباشرة أمام القنوات غير المصرية، ثم في اليوم التالي تم اقتحام المسجد وتدنيسه من قبل الشرطة والجيش المصريين!!!!
هذا هو الوضع حتى اللحظة، والأمور ستتطوَّر. فانظر إلى التصرفات والأفعال، لا إلى ما في صدر أخيك حتى تجد إجابة تجيب الله تعالى بها عندما تقف أمامه فرداً.