الكتابات



قال...

قال...
12 أغسطس 2013

بسم الله الرحمن الرحيم


قال: هذا العالم خاطئ تماماً!

نظرت له بتوجس وقلت: ماذا تعني؟

ابتسم ابتسامة مريرة ورد: منذ عقود وأنت تلوم من حولك على عدم ربطهم المواضيع بعضها بعضاً... فما بالك تفعل ما تلوم الناس عليه؟

قلت: عدم الربط بين الأمور شر نابع من ثقافة الـcompartmentalization التي نحياها. تلك الثقافة التي نشأت عن الساينس، والتي توغل في التخصص بدرجة تصيب الناس بانفصام في الشخصية دون وعي منهم.

رد: أنت الآن "تلف وتدور". أنت تعلم أنني على دراية بهذا مادمت تعرفه أنت. لكنك تتهرب من الموضوع بدلاً من مواجهته.

ابتلعت ريقي بصوت مسموع، وسألت: ماذا تعني بالضبط؟

تبسّم بحزن وأجاب: أنت تتجنب مواجهة الأمر منذ وقت طويل. ومادمت قررت أن تلعب دور الأبله، فسأبسط لك الأمر كاملاً حتى لا تتمكن من الهرب منه بعد اليوم.

أخذ نفساً عميقاً وبدأ يقول: أنت تدري تماماً أن كل شيء حولك ليس منطقياً. ترى الناس تتصرف بغرابة، ويتعاملون كأنهم يودون إهلاك أنفسهم، وتعرف سبب هذا وتتعايش معه رغم ما تعانيه من صدمات متتابعة لطريقة تفكيرك.

ابتسمت بمرارة وقلت: وماذا تريدني أن أفعل غير محاولة التوعية؟ أأدور عليهم بمدفع رشاش وأقتلهم جميعاً؟!

تجاهل قولي تماماً، وقال متابعاً: تعلم عن يقين أن كل شيء يسير عكس ما يفترض به. الدواء المعلّب يقتل الناس بدلاً من علاجهم. الطعام فاقد القيمة الغذائية والشفائية، بل ويصيب الناس بالأورام والسرطانات. النقود لم تعد تساوي قيمة الورق الذي تطبع عليه. تبذل العقود في العمل لدى أشخاص لا تستسيغهم ولا أفكارهم من أجل حفنة من الأوراق، التي تشتري بها الطعام الذي يمرضك وأهلك، ثم تعالجون بالأدوية التي تقتلكم.

زفرت بعمق ولم أعقِّب، فأكمل: هل أنت واعٍ إلى أنك قضيت ما يزيد عن عقدين من الزمان تعمل على تثبيت وتعميق نظام مصمم ليفشل؟ هل أنت مدرك لأنك بمشاركتك في هذا العمل، فأنت مشارك في الإثم عن كل من قتله هذا النظام وأمرضه وجوّعه؟

قلت محاولاً التغطية على انفعالي: أنت الآخر تريد تغيير "النظام"؟ أما كفانا المظاهرات العابثة في الميادين، والتي أدت إلى انقلاب عسكري نعاني من نتائجه إلى اليوم؟

التفت إليّ بكامل جسده وقال: لن تهرب هذه المرة. أنت تعرف أنني لا أتحدث عن نظام سياسي أبله وضعه الغرب للعب بعقول الناس، وطبقه الساسة العرب وجيوشهم كما اعتادوا السير على طريق أسيادهم. عندما أتحدث عن النظام فأنا أعني طريقة الحياة كاملة. ما أسميته أنت "الطفرة" التي تتسبب في هلاك الأمم.

نظرت لحذائي ولم أعقِّب، فأكمل: ها هي الحقائق –بما أنك شخص تحب الحقائق- رغم أنك تحياها:

أعطيك أمثلة بسيطة في الطب:
يتكوَّن الجسم البشري من 150 تريليون خلية في المتوسِّط حسبما يخبرنا الساينس. 90% من هذه الخلايا مايكروبات. فما الذي يحدث عندما تمرض و"تصاب بالمايكروبات"؟ تذهب لطبيب ليعطيك مضاد للحياة، ويسميه مضاد حيوي حتى لا تنتبه! الهدف من هذا المضاد الحياتي أن "يقتل المايكروبات". هل تفهم؟ هذا "الدواء" الذي تنفق على شرائه بنفسك ومن مالك الخاص، كل ما هو مصمم له هو أن يقتل المايكروبات، التي هي 90% من جسمك!

قلت: قد تكون محقاً في هذه، لكن هذا لا يعني...

قاطعني مكملاً: مثال آخر. حسب الساينس، لا يمكنك قتل فايروس، فهو –ساينسياً- ليس بكائن حي أصلاً، ولهذا لا يمكننا مداواة الأمراض الفايروسية على الإطلاق، بدءاً بالبرد العادي وانتهاءاً بمرض الإيدز. مع هذا، فحسب التحاليل الساينسية الأمريكية، فإن 92% من الأمريكيين تظهر تحليلاتهم وجود أجسام مضادة لستة أنواع مختلفة من فايروس القوباء التناسلي herpes. ساينسياً، هذا يعني أن 92% من الأمريكيين قد أصيبوا بهذا المرض –الأنواع الستة منه- لهذا صنع جسمهم المضادات.

قلت ساخراً: لن أستغرب هذا على الأمريكان، فالجنس لديهم "سداح مداح".

نظر لي بجدية وقال: كن منطقياً. 92% من الأمريكيين يصابون بستة فايروسات متناقلة جنسباً، وعلى الأقل نصف هؤلاء أطفال، وأكثرهم لم يشكوا من المرض أو يعلموا بوجوده لديهم أصلاً؟ هذا ليس أنفلونزا. هذه عدوى خطيرة تظهر أعراضها بجلاء وما لم تعالج تتسبب في أضرار صحية لا حصر لها، وتنتهي بالوفاة. أي أن هناك شيء خاطئ، إما في التحاليل التي تستخدم أحدث ما وصل إليه الساينس –أي خطأ في الساينس الذي نعتمد عليه لنحيا- أو خطأ في فهمنا للطب، وهي كارثة أخرى نفقد بسببها الملايين من الناس.

لم أعقب مرة أخرى فأكمل: إليك مثال آخر، منذ قرن من الزمان، رغم "التخلف الطبي" الذي عاشه الناس، كان يصاب بالسرطان 1 من كل مائة في أمريكا. أما اليوم، ومع "التقدم" الهائل، يصاب بالمرض رجل من كل رجلين، وامرأة بين كل ثلاث نساء!

وآخر بعد: شركات الأدوية الكبرى في العالم تنتج أدوية تقتل الناس، ويتم اكتشاف القليل جداً من هذه الأدوية، ثم يتم التعتيم على الموضوع كما حدث في حالة شركة فايزر التي وزعت آلاف الصناديق من دواء، اكتشف فيه فايروس الاتش آي في المسبب للإيدز. فهل حدث شيء لشركة فايزر؟!!

قلت: أوافقك، لكن الطب الآن يتجه للعلاج بالغذاء الصحي، لهذا فهناك أمل.

رد ساخراً: غذاء صحي؟ كالزراعات المهجنة جينياً، أم كالبذور التي تنتج زروعاً لمرة واحدة، ثم لا تنتج بذوراً بعدها؟

عدت معانداً: بالرغم مما تقول، هناك العديد من الأغذية الصحية كفول الصويا مثلاً، أو...

قاطعني محنقاً: فول الصويا؟! حقاً؟! ألا تعرف شيئاً غير الإعلانات عن فول الصويا يا صديقي العزيز؟

الجسم البشري لا يفيد من فول الصويا أكثر من أي طعام آخر. ولزراعة فول الصويا يجب أن تملح الأرض بضخ الماء الجوفي، ثم تترك مالحة لا تصلح لزراعة أي شيء آخر لآلاف السنين! من روّج لفول الصويا كان هنري فورد الأمريكي الشهير صاحب شركة فورد للسيارات. أتدري لماذا؟ لأن الشيء الوحيد الذي يصلح له فول الصويا هو إنتاج مادة تثبِّت الدهان على السيارات! فول الصويا ليس صحياً على الإطلاق، بل إنه شيء آخر يقتلنا ببطء بتخريب الأرض الزراعية.

لم أعرف بم أرد فقلت: أوافقك. ما نسميه بالساينس الحديث عبثي ولا يدري ما يفعل. لكني مازلت لا أرى أن هذا يعني أن كل العالم خاطئ!

قال مبتسماً ابتسامة من اعتاد العناد: الاقتصاد إذن!

قاطعته مسرعاً: لا تخاطبني في الاقتصاد العربي. فهو عمل أناس مقلدين عن غير فهم. إن أحببت أن تحدثني عن الاقتصاد، فكلمني في اقتصاد الدول القوية الاقتصاد كأمِريكا مثلاً.

قلتها بابتسامة واثقة، لكن نظرة ساخرة في عينيه أوقفتني وهو يتابع: أمِريكا؟ حقاً؟ حسن، سأعطيك مثالاً واحداً يختصر لك هذا الاقتصاد "القوي"...

قالها وهو يضغط كلمته الأخيرة، ثم تابع: ما قولك يا صديقي أن قيمة الدولار الأمريكي عام 2000 تعادل 3 سنتات من قيمته عام 1900؟ ما قولك في اقتصاد يخسر 97% من قيمته في 100 عام؟ أهذا في عرفك هو الاقتصاد القوي؟!

قلت: لكنها العملة التي يرتبط بها اقتصاد العالم كله!

أجابني: وبالنسبة لعقلك المحلل، أيجعل هذا من اقتصاد أمِريكا اقتصاداً قوياً، أم أنه يريك قلة عقل "العالم كله"، ذلك الذي ربط اقتصاده بآخر يفقد قرابة 1% من قيمته كل عام؟

أعرف أنه على حق، فتشاغلت بالنظر إلى حذائي ولم أحر جواباً.

عاد يبتسم ابتسامة من اعتاد مواجهة عناد الحمقى وسألني: أخبرني يا عزيزي، ماذا في رأيك مقوِّم وعماد هذا "التقدّم الحضاري"؟

أجبت بتفكّر: الوقود طبعاً. فمنه نستمد مقومات حضارتنا. وهو ما نعتمد عليه اعتماداً كلياً في الزراعة والصناعة والتنقل والبناء... كل شيء تقريباً.

تبسم بمرارة وقال: وما هو هذا الوقود؟

استرجعت معلوماتي القليلة عن الوقود وأجبته: الوقود باختصار هو مواد متحللة تحتفظ في داخلها بالطاقة التي تصل إلى الأرض من الشمس.

قال متأمِّلاً: نعم. عشرات الآلاف من السنين من طاقة الشمس المختزنة داخل مواد أرضية كالفحم والنبات والحيوانات والناس الذين تحللوا على مر العصور.

ثم هز رأسه كأنما ينتبه من تأملاته وعاد يسألني: وما ظنك أنه سيحدث عند نفاذ هذا الوقود؟

أجيت بتردد متشكك: لن ينتهي!

سأل بتعجب: ويحك، لن ينتهي؟! وهل هناك في الكون شيء لا ينتهي؟

قلت: أعني أنه لن ينتهي في وقت قريب.

هز رأسه بأسف وقال: ياللحسرة على ضحالة معلوماتنا. أما سمعت يا صديقي عن "ذروة البترول Peak Oil"؟

سألت: وما هذه؟!

أجاب: هناك نظام في العالم يحصر الكميات المستخرجة من البترول في كل الأرض، ويراقب من جهة أخرى كم استهلاك الناس له. ذروة البترول هي النقطة التي وصلنا إليها في ثمانينيات القرن الماضي عندما أخذ ما يستخرج من البترول يقل اضطرادياً، بينما يزداد استهلاكنا من البترول اضطرادياً كذلك.

عدت أسأله: وما الذي يعنيه هذا بدون كثير تفاصيل؟

عاد يجيبني: هذا يعني باختصار أننا في ثمانينيات القرن العشرين قمنا باستخراج أكبر كم من البترول منذ بدأنا هذه العملية في بدايات القرن، وأننا منذ ذلك الوقت نستخرج كميات أقل وأقل في كل عام، بينما استهلاكاتنا الغذائية والصناعية تزداد في كل عام. وبحسابات بسيطة ومعقدة في نفس الوقت، علمت الحكومات وساينسيوها أن البترول سيتوقف استخراجه بالكامل من مصر عام 2027 على أكثر التقديرات تفاؤلاً. هذا بعد أقل من 14 عام من الآن.

كدت أجيبه أن هناك شيء اسمه استيراد للبترول، رغم أنه سيتكلف أكثر كثيراُ، لكنه بادرني قائلاً: وسيتوقف استخراج البترول من كل دول العالم في 2050!

صدمني كلامه وفكرت في معناه للحظة، فعاد يستطرد: لا تتعب رأسك في الحسبة كثيراً. هذا باختصار يعني أننا سنصاب بمجاعات تعم العالم، وستتوقف كل الأنشطة الساينسية كالطب والبناء والزراعة –التي تستهلك قرابة الـ 40% من الوقود المستخرج- والكهرباء والماء وكل شيء نحتاجه للحياة ولو كانت بدائية. هذا طبعاً إذا ما تجاوزنا عن الفوضى والحروب التي ستحدث بسبب آخر ما تبقى من وقود.

قلت متشبثاً: كلا. هذا لن يحدث. فهناك مصادر أخرى للطاقة، كالطاقة الشمسية وطاقة الهواء وحتى الطاقة النووية.

هز رأسه بثقة وأجابني: كل ساينسيوا الطاقة يتفقون على شيء واحد: حتى إذا حدثت طفرات غير متوقعة في البحوث الجارية على مصادر الطاقة اليوم، فإن تركيبة من كل هذه المصادر معاً لا يمكنها أن تجعلنا نعيش بطريقة الحياة التي نعيشها اليوم! أي أن كل مصادر الطاقة –غير البترول- لن تمكننا من السفر والبناء أو حتى الزراعة.

"إذا" –وكما يقول الأمريكيون هذه إذا كبيرة- حدثت قفزات ساينسية أكبر مما يتوقعه الساينسيون أنفسهم، فقد يجد البعض مكاناً لهم بين الأحياء بعد عقدين أو ثلاثة. أما غالب الناس فأمرهم إلى الله تعالى.

وأكثر من ذلك الكثير والكثير. أتحب أن أحدثك عن الهندسة والعمارة، أم عن الزراعة، أو ربما عن كيف أن الطعام الذي نأكله جميعاً يتسبب لنا بالسرطانات والأمراض التي لا حصر لها؟

سال العرق على جبيني وتلفتّ حولي بذعر قائلاً: ما الذي تقوله إذن؟ أننا محتوم علينا بالفناء أنا وأولادي والناس كلهم؟

تبسّم مطمئناً هذه المرة وأجاب: الأعمار بيد الله، والحل بسيط للغاية وأمام عيناك. لكنه سيتطلب منك تغيير طريقة تفكيرك... وحياتك!

سألت بلهفة: ماذا تعني؟ وما هو هذا الحل الذي تتحدث عنه؟

قال بهدوء: من لا يملك طعامه لا يملك مصيره. غير حياتك الآن بنفسك واستغل الوقت المتبقي قبل أن يفوت الأوان. من باب بيدي لا بيد عمرو، وأيضاً لأن الفرصة لا تزال سانحة!

للحديث بقية إن شاء الله تعالى