الكتابات



إن الدين عند الله الإسلام



إن الدين عند الله الإسلام
أكتوبر 2004

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده و نستعينه ونستهديه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مُضِل له، ومن يضلل فلن تجد له ولِيَّاً مُرشِدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحيي ويميت وهو على كل شئ قدير وإليه المصير، وأشهد أن محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم عبده و رسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، أمَّا بعد؛
في كثير من نقاشاتي مع غير المسلمين حول صواب وخطأ عقائدهم، كانت تبرز دائماً نقطة كون الإسلام هو الدِّين الحق من عدمه. وكانوا جميعاً ينكرون قولي أن الله لم ينزل من السَّماء –فيما نعلم- ديناً غير الإسلام. ولكن ما فاجأني حقاً هو جهل الكثير من المسلمين هذه الحقيقة. ولهذا كان لابُد من توضيح ونشر هذه الحقيقة للمسلمين أوَّلاً قبل غيرهم.
إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل آدم إلى الأرض وعلَّمه طرق بقائه فيها من صيد وزراعة وصناعة إلى آخره. كما علَّمه كيف يبقىَ متَّصِلاً به، وكيف يُشَرِّع لبنيه وكيف يعبدونه. أي أنَّه علَّمه دينه ومعاشه. وقد كان دين آدم واضحاً جليَّاً. الإيمان بالله وملائكته والآخِرة والجنَّة والنَّار. وقد كان كل هذا بالنسبة لآدم بديهيَّاً. فقد كان حديث عهد بالسماء، وكان إمَّا قد رأىَ كل هذا بعينيه أو سمعه من الخالق سبحانه وتعالىَ بنفسه. فالإيمان كان بالنسبة لآدم من المُسَلَّمات. وقد كان من المُسَلَّمات بالنسبة له كذلك أن يُسْلِم أمره كلُّه لله سبحانه، الَّذي خلقه ورزقه، وأراه من عجائب قدرته. فلم يكن الأمر بالنسبة لآدم وزوجه وذُرِّيَّته الأقربين بحاجة لأي إثبات أو جدل. كل ما كان عليهم هو الثبوت علىَ ما شرع الله لهم للتكفير عن معصيتهم ونيل رضىَ الله وجَنَّته.
ثم طال الأمد على الناس وكثروا، واستزلَّهم الشيطان كما استزل أباهم، فبدأوا في الإبتعاد عن شرع الله سبحانه. ونسي الناس أن الشيطان لهم عدوٌّ مبين. فأرسل الله الرُّسُل والأنبياء ليُذَكِّروا الناس ما نُسُّوا ويعيدوهم إلىَ صِراط الله المستقيم. وأُمِر جميع المرسلين بتبليغ الناس أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن الجنة والنار حق، والملائكة حق، والآخرة حق، وأن يبشروهم بخاتم الأنبياء والمرسلين مُحَمَّدٌ صلَّىَ الله عليه وسلَّم. ثم بلَّغُوا الناس أوامر الله ونواهيه، مًبَيِّنين لهم كيفية عبادة الله وما رضي لهم وما حرَّم عليهم، وأمروهم أن يشهدوا بأنَّهم مسلمون.
هذه هي قصة الخلق كما حدثت منذ خلق آدم. وقد حكَىَ لنا القرآن الكريم عن تبليغ الرُّسُل رسالاتهم كاملة، وأمْرهم الناس بالإسلام. فبادئ ذي بدء، قال الله تعالىَ في كتابه العزيز: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (آل عمران : 19)
وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الصَّف : 7)
وكِلتا الآيتين تدُلُّ علىَ المعنَى. أمَّا الأُولَى فَتَنُص نصَّاً صريحاً على أن الدين عند الله هو الإسلام علَى الإطلاق. وأن اختلاف أهل الكتاب بين مصدق ومكذب ما حدث إلا بعدما جاء مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم ليعيدهم لدين الحق. أمَّا الثانية فتبين أن الهدَى الَّذي لا يناله الظالمون هو الإسلام.
أمَّا الآيات التي تنص على أن كل الرُّسل قد بعثوا برسالة واحدة هي الإسلام، فلا تكاد تحصَى. وأختار منها التالي للدلالة لا الحصر:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة : 127-128)
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (البقرة : 132)
وهي دلالة صريحة علَى أن الله سبحانه وتعالَى قد إختار لإبراهيم وبَنِيه عليهم الصَّلاة و السَّلام الإسلام كدين، وأمرهم ألا يموتوا على غيره. ثم تكمل الآيات: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة : 133)
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران : 52)
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة : 111)
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ * فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس : 71–72)
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (يونس : 84)
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (النَّمل : 30-31)
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} (القَصَص : 51-53)
ونرى الربط الواضح بين الإيمان والإسلام في الآيات كلها تقريباً. والواقع أن هناك العديد من الآيات في القُرآن الكريم عن كل نبي وهو يشهد بإسْلامه أو يأمُر قومه به. وقد اختصرت في سرد الكثير من الآيات الأخرى التي تدل على نفس المعنَى واكتفيت بما سلف حيث أنه يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الإسلام هو دين الله الأزلي الأبدي وإلَى قيام الساعة.
إذن ما اليهودية والنصرانية ما لم تكونا ديانتين؟ وما هي الكتب السماوية كالزبور وصحف إبراهيم ثم التوراة والإنجيل؟
لابد لنا مع معرفة أن دين الله واحد في كل الأزمان، إلا أن طبائع البشر تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر. ما من نبي أرسله الله –فيما نعلم- إلا أُرسل إلى قوم بعينهم، إلا مُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم المرسلين الذي أرسله الله جلَّ وَعَلَى رحمة للعالمين –أي الإنس و الجن وما نعلم وما لا نعلم من المخلوقات- إلى قيام الساعة. فكان كل رسول يُبْعَث بتشريع يناسب طبيعة من أُرسل إليهم وطبيعة بيئتهم وزمنهم. ولابد من أن نذكر الفرق بين التشريع والدين. فالدين هو العقيدة وحقيقة الإيمان. أما التشريع فهو كيفية العبادة والتقرب إلى الله بالطريقة التي اختار لهم بالذَّات، وما رضِي الله لقوم وما نهاهم عنه –الحلال والحرام. وبعض المُرْسَلين نزل الله عليهم كتابا وبعضهم لم ينزل عليه. وكل الكتب تقرر نفس المسائل العقائدية: أن لا إله إلا الله وحده والكل له عبد، وسائر الحقائق العقائدية الأخرَى، ثم تقرر لهم تشريعاتهم المنفصلة.
أما بالنسبة للتسميات المتعارف عليها اليوم كالحَنيفيَّة واليهودية والنصرانية إلخ، فتفصيلها كالتَّالي:
الحَنِيفِيَّة في اللغة هي اتِّباع الحق والحَيْد عن الباطل. والحنيفية هي ملَّة إبراهيم عليه الصلاة والسَّلام. فقد كان عليه السَّلام كما وصفه اللهُ تَعَالَى في كتابه الكريم: حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. أي أنه كان مسلماً لله حائداً عن الباطل ومُتَّبعاً للحق.
كما ورد في القرآن الكريم سبب تسمية اليهود لأنفسهم بذلك. ففي إحدى المرَّات التي أغضبوا فيها الله سُبْحَانَه –وما أكثرها- وقف موسى عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا معه يستغفرون الله ويتضرعون إليه قائلين من ضمن ما قالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَى الله}. أي تبنا إلى الله وعدتا لطريق الهدى. وتسموا بعدها بالمسلمون اليهود –أي المسلمون التائبون الراجعون للهِ تَعَالَى- ثم باليهود اختصاراً.
أما النصارى فكانوا أيضاً مسلمين، وناصروا عيسى عليه السلام حين كذبه من أشرك من اليهود وحاربوه وأخرجوه، وبذا تسموا بالمسلمون النصارى. وفي رواية أخرى أنهم انتسبوا إلى المدينة التي وُلِد فيها المسيح عيسَى عليه السَّلام، والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة.
وختاماً، أظن أن الموضوع قد أصبح واضحاً لكل ذا عقل. وفيما تقدم من الآيات التي نقرأها في كتاب الله العزيز كثيراً –دون تدبُّر منا- كل تفصيل. والعبرة للمسلمين من قصص ما سلف من أقوام هي أن حتى الأمر البديهي كإسم الدين وتعاليمه قد يطمس وينسى من جراء كتم العلم وقصره على البعض دون الكل، مما يتيح للمحرفين وذوي النفوس الضعيفة لتغيير الكلم عن موضعه، ودس الأكاذيب على دين الله الواحد حتى يصير انحرافاً عن الحق وشركاً مبيناً والعياذ بالله.
إن أصبت فتوفيق من الله وفضل، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشَّيطان. سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.